آراء بعض الفنانين والنقاد عن أعمال الفنان خالد المز

الدكتور محمود شاهين
شاعرية الموضوع والأداةفي تجربة الفنان خالد المز
لايختلف اثنان، على أن التصوير السوري الحديث، وبفضل مجموعة ممتازة من رواده المهرة حقق حضوراً محلياً وعربياً ودولياً لافتاً كما كان التصوير ولايزال، في طليعة الفنون التشكيلية السورية المعاصرة ولهذا الأمر أسبابه الكثيرة، لعل أبرزها وأهمها، كون التصوير هو الأقدم وجوداً في الحركة التشكيلية السورية المعاصرة، مما وفر له خبرات بشرية عملت في مجاله مبكراً، فطورته وتطورت هي معه، وقد انعكس هذا الوضع بشكل إيجابي، على الأجيال الشابة من الفنانين التشكيليين السوريين، سواء تلك التي تجمعت حول الرواد الأوائل من المصورين الأكادميين – كانت غالبية البعثات الدراسية الأولى في مجال التصوير- وتدربت على يديها، أو تلك التي دخلت كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق بعد تأسيسها عام ١٩٦٠ حيث استقطبت هذه الكلية غالبية الخبرات الفنية البارزة للتدريس فيها.
الفنان خالد المز واحد من الخبرات المتميزة التي نهضت على أكتافها حركة التصوير السوري الحديث ، فهو ملون من الطراز الأول، تتكامل في لوحته، شاعرية الموضوع وشاعرية الأداة، وقد بات يشكل شخصية فنية لها مقوماتها الخاصة، وملامحها المتميزة وفرادتها التي لايجاريه فيها أحد.
هذه المزايا التي اجتمعت في تجربة خالد المز، وجعلتها تتقدم الصفوف الأولى من تجارب التصوير السوري الحديث، تبدو منطقية ومبررة إذا ماعملنا أن صاحبها تلمس الدرب مبكراً إلى الفن، تدفعه موهبة حقيقة إلى ذلك، موهبة سرعان ماارتسمت في الواقع، لوحات عديدة، لاتزال تشير وتدل عليها.
وككل التجارب الفنية الحيوية، شهدت هذه التجربة عدة انعطافات أو تحولات، قادتها برصانة وهدوء، إلى الثراء البصري الذي تملكه اليوم، ويمكن حصر هذه الإنعطافات في خمس مراحل هي :
١- مرحلة ماقبل الدراسة الأكاديمية الأولى :
وهي المرحلة التي سبقت سفره إلى القاهرة للدراسة الأكاديمية الأولى في مجال التصوير، حيث نفذ الفنان المز مجموعة من اللوحات الزيتية أثناء دراسته الإعدادية والثانوية، تناول فيها الوجوه والطبيعة بأسلوب واقعي ينم عن إمكانية واستعداد واضحين في الرسم والتلوين، وبالتالي تعكس هذه الأعمال الموهبة الحقيقية التي تمتع بها وهو في مقتبل العمر.
من أعمال هذه المرحلة ( وجه رقم ٤٥) الذي تناول فيه وجه جدة صديق له، بصياغة واقعية اكاديمية، اعتمد فيها على الدرجات اللونية الهادئة والمنسجمة، والرسم القوي، والاختزال المعبر، خاصة على صعيد اللون الذي استخدمه ببراعة ورؤية إنسجامية فائقة، وتحليل جيد للبقع المتوضعة في مكانها الصحيح.
فقد اعتمد الألوان الداكنة في ثوب المرأة والخلفية، بهدف إبراز الوجه الذي عالجه بتدرج لوني فاتح، وتحليل متقن لملامحه كما سكب فيه زخماً تعبيرياً عميقاً.
الملاحظ في هذا العمل، ميل الفنان المبكر، الهادىء المنسجم من الألوان وتملكه لقدرات تحليله بشكل جيد، واعتماده على الدرجات القادرة على احتضان التعبير العميق والفهم السليم لخواص التصوير وهذه ميزة استمرت معه وتبدت في غالبية اللوحات التي عالج فيها نفس الموضوع، ومن أعمال هذه المرحلة لوحة ( من كسب رقم ٤٨) التي تناول فيها جانباً من هذه المدينة السورية الجميلة القريبة من مسقط رأسه ( اللاذقية) بأسلوب واقعي مبسط، غلبت فيه الألوان الفاتحة والاختزال المدروس للعناصر، وتألق اللون والرسم، وماهي الرؤية الشاعرية بالرؤية الواقعية. في هذين العملين المبكرين، اعتمد الفنان المز، على التبقيع اللوني المؤدى من قبل ريشة واعية، وعين محللة ، وتفاعل هادىء وعميق مع الموضوع، وهذه منطلقات أساسية في التصوير.
٢- مرحلة الدراسة الأكاديمية الأولى مصر ١٩٥٩ – ١٩٦٤ :
في هذه المرحلة، توجه الفنان خالد المز لرسم الأشخاص والتعرف على البنية التشريحية لجسم الانسان ومحاولة الاختزال والتخليص بالشكل الذي يخدم موضوع اللوحة، وقد برز في هذه المرحلة توجهان أساسيان في تجربته الفنية:
الأول : اهتمامه وتأكيده على تعبير الوجه وحركة الأيدي فقد أولى الوجه والأطراف عناية فائقة في الرسم، وحرص على تمييزها باللون عن باقي أجزاء الجسم، إذ وظف الألوان الفاتحة في الثياب والخلفية للتأكيد على كتلة الأيدي والوجه، وقد استمر معه هذه التوجه ليتحول إلى خاصية أساسية من خصائص تجربته الفنية، وقد تبدى هذا التوجه بشكله الأمثل في لوحة (موديل مصري) التي نفذها أثناء الدراسة في مصر، وفي لوحة (العروس) التي نفذها بعد عودته من مصر، ثم لوحة ( ابنتا الفنان رقم ١٢٠ – ١٥٠ ) ولوحة ( والدة الفنان رقم ١١١ ) وغيرها.
الثاني : ويمثله مشروع تخرجه من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام ١٩٦٤ والمرسوم بـ عمال البناء حيث نجد الإلحاح السابق على معالجة الوجه والأطراف، والتركيز على بنائية متينة وراسخة للجسد الإنساني وتحليل مدروس لعناصره ومساحاته، والتركيز على إبرز التعبير الإنساني البائس في وجوه العمال، كما يبدو اهتمام الفنان بالخلفية، وتأكيده على رموز العمل فيها خاصة آلات العمل ولكي يؤكد ويبرز حركة التكوين، ويدلل على قوته وتماسكه لجأ إلى استعمال الألوان الفاتحة في الخلفية، والغامقة في الأشخاص في محاولة منه لتأكيد التعبير وتعميقه في اللوحة أولى وضعية الشخوص أثناء العمل والحركة، دراسة وافية، سواء ككتلة متحفرة، قوية ومتحركة، أو كرموز وشى بها ثياب العمال أو زرعها في الخلفية.
على الرغم من سيطرة الروح الاكاديمية على هذه الأعمال أن ثمة تململاً واضحاً برز في أعمال مشروع التخرج وبضعة أعمال أخرى متفرقة سبقت المشروع، يشير إلى رغبة الفنان ( المز) بتأكد ملامح شخصية فنية متميزة، ترتبط به دون غيره، وقد تمكن من رسم هذه الملامح في المراحل اللاحقة.
٣- مرحلة مابعد الدراسة الاكاديمية الأولى:
تعتبر هذه المرحلة، استمراراً أميناً للمرحلة السابقة، مع بعض التحلل الواضح من إسار الاكاديمية، ونزوع نحو الشاعرية في الموضوع والمعالجة، فقد غابت عن أعمال هذه المرحلة، موضوعة العمل والعمال، وتكثفت الأشكال المشخصة، وظهر ميل لدى الفنان لخوض غمار التجريب والتحديث. فباستثناء بضعة لوحات تناول فيها الأشخاص والوجوه (أمه، زوجته ، أولاده ). بصياغة واقعية ملخصة ومحورة، أو واقعية أكاديمية رصينة، حافظ فيها على كافة المقومات الأساسية لتوجهه السابق في إضاءة الوجه والأطراف، والعناية بحركتها ورسمها، وبالتالي تعميم الخلفية لإبراز هذه العناصر والتأكيد عليها.. باستثناء هذه الأعمال، جاءت غالبية لوحات هذه المرحلة وهي تحمل نزعة حداثية واضحة، كان خلالها الفنان المز خاضعاً لأكثر من اتجاه، ومسكوناً بأكثر من رغبة أسلوبية متأرجحة بين الحفاظ على الشكل المشخص وإعتماد الشكل المجرد، ومرد ذلك أن المناخ الذي كانت تعيشه الحركة الفنية التشكيلية السورية منتصف الستينات ومطلع السبعينات اصطبغ بنزعة عارمة نحو الفن التجريدي، تملكت غالبية فنانينا، بتأثير وجود الفنان الإيطالي ( لارجينا) الذي كان أستاذاً زائراً في قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بدمشق، وهو من المتحمسين لهذا الاتجاه الذي نقله إلى أساتذه الكلية وطلبتها في آن معاً.
وعلى الرغم من أن الفنان ( خالد المز) لم يكن يومها في عداد أساتذة الكلية، غير أن حالة التوجه المحموم نحو الفن التجريدي، وتبني الحداثة الأوروبية التي جاءت إلينا مع ( لارجينا) ومع المعارض الأوروبية الكثيرة التي زارتنا آنذاك، خاصة تلك التي كانت تستقدمها صالة ( أورنينا) لصاحبها ( محمود دعدوش)، طالت فنانينا التشكيليين السوريين داخل الكلية، وخارجها، وتحولت إلى تيار فرض وجوده بقوة على ساحتنا التشكيلية.
الفنان خالد المز لم يطل وقوفه التردد والحائر بين التجربة المصرية والتجربة السورية التي كان صخبها عالياً آنذاك، فقد مزج بين التوجهين، دون أن يعلن صراحة، موقفه منهما، فاللوحات المنتجة خلال هذه المرحلة، حملت بحثاً فنياً متردداً ومتأرجحاً بين التجريد والتشخيص، كما برزت نزعة إلى الحروفية في بضعة أعمال، لكنه لم يتابعها.
بمعنى آخر: حملت أعمال هذه المرحلة ، كافة النزوعات الفنية التي تملكت جيله ومعاصريه من الفنانين، لذلك نجد في أعماله، جملة من القواسم المشتركة بينه وبينهم، خاصة بينه وبين تجربة الفنان العربي السوري الراحل محمود حمّاد الذي يلتقي وإياه في طريقة بناء التكوين، ومعالجة الألوان، مع ملاحظة أن الفنان ( حمّاد) تبنى الصيغة التجريدية الحروفية، بينما الفنان ( المز) تبنى الصيغة التجريدية التكعيبية المطعمة بالهيئة الانسانية التي أدخلها في صلب الشكل الهندسي، أو قام بتخليصها ، أو اختزالها وتحويرها على شكل هندسي، متين الاستقرار، مدروس الحركة، متوازن : كتلة وفراغاً.
والملاحظة البارزة في أعمال هذه المرحلة، هوأنه لم يتخل، رغم ذلك، عن الألوان الشفيفة، المتدرجة، المنسجمة، ولاعن الرسم القوي الذي برز وتأكد أكثر ، مع الشكل الهندسي الصلب، والصيغة الواقعية المحورة المشوبة بروح تكعيبية تجريدية، إذ قدم في عدد من أعمال هذه المرحلة، صيغة تكوينية لافتة، مدروسة ككتلة وكفراغ، بحيث اقتربت كثيراًِ من النحت، حيث نجد الاهتمام الزائد بالخط الخارجي للتكوين المفصول عن الخلفية، بصراحة ووضوح، والتكوين هذا في الغالب، يتألف من رجال ونساء في حالات عناق، أو حوار صامت، أو استعراض لجماليات الجسد الأنثوي العاري، ضمن صيغة تحويرية استمرت معه حتى اليوم.
٤- مرحلة فرنسا ١٩٧٠ – ١٩٧٤ :
وهي مرحلة الدراسة الاكاديمية الثانية، وقد أمضاها الفنان في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة بباريس.
على الرغم من قلة الأعمال المنتجة خلال هذه المرحلة، إلا أننا نستطيع أن نحدد التوجه الذي تملك تجربة الفنان (خالد المز) خلال هذه المرحلة من مراحلها.
فقد جمع في أعمال هذه المرحلة بين الهيئة الانثوية المحورة ( التي أصبحت لصيقة بتجربته منذ مرحلة مصر وتحمل روح الفن المصري القديم وبين الاتجاهات الاوروبية الحديثة، خاصة التكعيبية أي أن الفنان وبحكم وجوده في أوروبا، مزج بين خصائص تجربته الأساسية ، وخصائص الفن الأوروبي الحديث، وهذا أمر طبيعي لفنان عاش بين ظهراني الأوروبيين ودرس في أكاديمياتهم، ويحمل من الأساس إستعداداً واضحاً للبحث والتجريب.
والحقيقة لقد دخل الفنان المز في أعمال هذه المرحلة، نسيج الفن الأوروبي وتأثر به بشكل واضح وكبير، لكن دون التخلي كلياً عن مفردات تجربته وخصائصها الشرقية التي سرعان مااستعادها اشتغل عليها في المرحلة التي اعقبت عودته إلى الوطن من فرنسا.
٥- مرحلة مابعد فرنسا ١٩٧٤ وحتى اليوم :
تعتبر هذه الرحلة التي لاتزال مستمرة حتى كتابة هذه السطور، من أهم وأخصب وأنضج مراحل الفنان خالد المز، لكونها تشكل اختزالاً عميقاً لكافة المفاصل التي تحركت فيها تجربته الفنية مع التصوير، منذ بدايتها الأولى وحتى اليوم، كما تمثل الخبرات التقانية والتعبيرية التي بات يملكها بعد مشواره الطويل مع الفن دراسة وانتاجاً وتدريساً، وأعمال هذه الرحلة تحمل بأمانة الشخصية المتكاملة والناضجة للفنان المز، إذ تمثل النتائج الهامة التي انتهت إليها مراحله السابقة، بعد أن تبلورت، وتطورت، وتحددت ملامحها الخاصة، بدأ الفنان مرحلته هذه بمجموعة من اللوحات أنتجها أثناء وجوده كعميد لكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق مطلع الثمانيات ومابعد ، تناول فيها موضوعات التصوير المعروفة، كالطبيعة والطبيعة الصامتة، والوجوه والجسد الأنثوي العاري، وشـبه العاري، واللوحات التي تناول فيها الموضوع الأخير أبرز وأهم إنتاجه ، وقد استمر معه هذا الموضوع حتى الآن، ويعتبر موضوع الأثير الذي ارتبط بتجريته منذ مراحلها الأولى.
في هذه الأعمال، يقوم التكوين الأساسي على مجموعة من الأجساد الأنثوية العارية وشبه العارية، وهي لديه ممشوقة ومختزلة كبنية تشريحية تسبح في بحر من الزرقة الهادئة الرافلة بتطاريز من الأبيض الضبابي الموشى بإشارات واهية، للون نحاسي يتوزع الأيدي الصدر ومناطق أخرى من الجسد الأنثوي العاري.
هذا العالم الذي تناوله الفنان المز في لوحات هذه المرحلة، أشبه مايكون بحلم ضبابي، يتجاور فيه الدفء والبرودة المنعشة، لكن دون صخب، أو حدة ، وإنما بكثير من الانسجام المريح، والنعومة المتناهية، فهو حلم هيولي مفتوح على جهات اللوحة الأربع، حلم يحلق ليمطر في عين المشاهد وإحساسه رطوبة وجمالاً ورهافة لون غني رغم بساطته وقلة درجاته.
في البداية، قدم أجساده الأنثوية العارية وشبه العارية، ضمن عناصر ورموز وأشكال مأخوذة من حمام النساء، مع تصرف في عملية توزيعها، وتحوير واضح في نسب الجسد، كذلك نوع في وقفات المرأة، مبرزاً جماليات الجسد الأنثوي العاري الحسية ممزوجة بنزعة رومانسية، أخذت طريقها إلى اللون في الأعمال اللاحقة.
فبعد أعمال ( نساء الحمامات) التي سيطر فيها اللون الأزرق ومشتقاته
.. وبرز اهتمام الفنان بالعناصر المحيطة بالجسد الأنثوي العاري كبلاط الحمام والستائر الحمام والستائر والأقواس والثياب، وتبسيطه المتقن والمدروس لجسد المرأة، انتقل إلى أعمال جديدة، أدخل فيها اللون الزهري الدافىء إلى عوالم الأزرق الباردة، وقد توزع اللون الجديد، الجسد الأنثوي أو مناطق محددة منه، ثم قام بمزاوجة موفقة للحار والبارد من الألوان، ضمن الموضوع الأساسي لأعماله بشكل عام ( المرأة العارية) ثم طعم بعض الأعمال بإدخال الطفل اليها.
وهكذا بدأت عملية تحول جديد تطرأ على لوحة الفنان ( خالد المز) فبعد أن كان الرسم حاضراً بقوة في الللوحة إلى جانب اللون، انسحب الرسم لصالح اللون في الأعمال الجديدة، وأصبح هذا الأخير يؤدي مهمته في تأكيد وتحديد هيكلية الأشياء والعناصر التي اختزلها الفنان وكثفها لتقتصر على الأجساد المرضوفة بعناية واهتمام، فوق خلفية مدروسة هي الأخرى ، كتقسيمات هندسية ترتبط ولأجساد ضمن علاقة جدلية بصرية ودلالية، والملاحظ أن اللون في هذه الأعمال تحّول إلى تمتمات ناعمة رهيفة، تتوزع الأجساد، كما تتوزع الخلفية وباقي العناصر وفي الوقت الذي نجد فيه الفنان يعدم على لونين في تحقيق لوحته ( أزرق وأصفر ) أو ( أزرق + بني ومشتقاته ) نجده في أعمال أخرى،
خاصة الجديدة، أو أكثر جدة، يقيم مهرجانات من الألوان الحارة، والباردة، الهادئة والصاخبة، لكن دون الخروج عن السمة التي لازمت أنتاج هذه المرحلة، والمتمثلة بنزعة شاعرية طاغية طالت الموضوع والأداة في آن معاً.
لقد تصعدت وسيلة التعبير لدى الفنان ( خالد المز) في أعماله الأخيرة لتتحول إلى سمفونية فائقة الانسجام من الألوان الحارة والباردة ، يوزعها بخبرة كبيرة، هنا وهناك، من أجزاء اللوحة، وبرهافة شاعر، يهزه الجمال ويؤثر تأثيراً كبيراً فيه ( خاصة الجمال الأنثوي) الذي أوقف تجربته بكاملها عليه، وأمضى ردحاً طويلاً من الزمن، وهو يتعبد في محرابه، ويبدو أنه سيبقى إلى زمن طويل في هذه الرحاب الجميلة العذبة المؤثرة، بدليل هذا الزخم الشعوري العالي الذي يطل من لوحاته، وهذه الارتعاشات الولهى المسكوبة في تمتمات ألوانه، خاصة تلك التمتمات التي تتوزع جسد المرأة وتضاريسه، التي حولها الفنان المز إلى مساكب للورد، تبوح بصباباته المتوقدة أبداً، المتجددة أبداً، والباقية أبداً، وإلا بماذا نفسر هذا التوجه الذي لم يتعب لموضوع الجسد الأنثوي العاري في تجربته الفنية، وقبل هذا وذاك، بماذا نفسر هذه الطلاوة والدفء والشاعرية، المحلقة في معالجته لهذا الموضوع التي تعددت كصيغة وأسلوب ، وظلت كما هي عاطفة وولهاً وحيوية متقدة بالأحاسيس
الدكتور محمود شاهين